السبت، 8 مارس 2014

هل نحن أمام شبح حرب باردة جديدة في أوكرانيا؟

الأستاذ/ إيدوم ولد عبد الجليل 
idoumab@yahoo.fr

في شهر أغسطس من العام 2008 لم تنجح الديمقراطيات الغربية في صد روسيا عن شن حرب خاطفة للاستيلاء على المناطق الانفصالية الجيورجية لأبخازيا وأستونيا الجنوبية، فهل يعيد السيناريو نفسه اليوم في أوكرانيا؟

إننا في الواقع نشاهد الآن تصعيد لا سابق له بين البلدان الغربية وحلفائها من جهة وروسيا من جهة أخرى، ومختبر التجربة بين الطرفين في هذه الأزمة هو جمهورية أوكرانيا، فبعد أن كانت القوات الروسية قبل أيام معدودة على أبواب كريمي هاهي ذي تجتاح الجزيرة وترفرف الأعلام الروسية بها.

يبدو أن سيد الكريملن فلاديمير بوتين يسكنه الحنين إلى الماضي وتتملكه أحلام عودة الإمبراطورية السوفياتية في مسعى يعيد لذاكرة التاريخ أجواء الحرب الباردة في ستينات القرن الماضي حيث كفاح "الأممية البروليتارية" الذي لا يُهزم على أشده وحيث
منطق "الديالكتيك الماركسي" في مواجهة "الإمبريالية الرأسمالية"..
إننا الآن بصدد حرب باردة حقيقية بدأت بوادرها ولم تقف بين الدول الغربية وهذا الوريث لعظمة الاتحاد السوفياتي المُنهار في تسعينات القرن الماضي.

على إثر أحداث الشتاء والمظاهرات الشعبية التي عرفتها العاصمة الأوكرانية كييف والمطالبة بالتقارب مع الاتحاد الأوروبي وتوقيع شراكة معه كما حصل مع بعض البلدان المنتمية سابقا إلى الاتحاد السوفياتي وما آل إليه ذلك من مواجهات وعنف أدت إلى سقوط الحكومة، فإن روسيا تخوفت من أن تفقد أحد حلفائها فصعدت من تهديداتها ونشاطاتها العسكرية، وقد نتج عن ذلك خوف البلدان الغربية من جانبها من أن تقود الأمور إلى تقسيم البلد.

في ظل هذه الظروف كثفت البلدان الغربية من دبلوماسيتها في محاولة لردع موسكو عن القيام بتدخل عسكري في 
جارتها أوكرانيا إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن الغربية وقامت روسيا بغزو كريمي بأوكرانيا.


التلويح بالعقوبات


لقد ضمت كل من باريس ولندن صوتيهما لواشنطن في اتخاذ عقوبات ضد روسيا وكان أول هذه العقوبات هو إعلان هذه البلدان عن موقف مشترك بمقاطعة الأعمال التحضيرية "لمجموعة الثمانية" والذي سيعقد في سوتشي بروسيا في شهر يونيو القادم، كما كانت الأزمة الأوكرانية في قلب اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين ليوم الاثنين 3 مارس، وكذلك خصص لها اجتماع قمة القادة الأوروبيين في بروكسيل يوم الخميس 6 مارس والذي نص على عقوبات منها مراجعة نظام التأشيرة مع روسيا وكذلك تجميد الأرصدة الروسية في أوروبا...

وفي ختام جلسة طارئة حول الأزمة لمنظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي OTAN فإن الأمين العام لهذه المنظمة أندريس فوغ راسميسن قد دعا روسيا إلى سحب قواتها وإلى قبول إرسال مراقبين دوليين.

يضاف إلى هذا أن مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة قد شجب خروقات مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ومع ذلك فإن فلاديمير بوتين قد قبل مقترح من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل يقضي "بتشكيل بعثة تحقيق ومجموعة اتصال على أن يكون ذلك تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون بأوروبا OSCE وذلك لبدأ حوار سياسي" 

إن هذه التهديدات تأثيرها محدود على الكريملن وذلك لجملة من الأسباب، منها أولا أن روسيا تمتلك حق الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي وهذا ما يحول دون تمرير قرار بهذا الشأن داخل المجلس، أضف إليه أن أوكرانيا ليست عضو في منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي OTAN وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان اللجوء إلى خيار عسكري، ولكن الأهم من هذا وذاك أن التهديدات بمقاطعة أعمال "مجموعة الثمانية" التي من المقرر أن تلتئم في شهر يونيو القادم في مدينة سوتشي الروسية لا يشكل في حد ذاته أهمية بالنسبة لموسكو مقارنة بالأهمية الإستراتيجية التي تمثلها أوكرانيا بالنسبة لروسيا.

إن فلاديمير بوتين يسخر من هذه الإنذارات الغربية ويبدو أنه يستحضر حكمة تسار الكسندر القائلة "بأن روسيا ليس لها في هذا العالم سوى صديقان هما: جيشها وأسطولها الحربي" والاثنين في ذروة نشاطهما في كريمي للتمسك بشرق أوكرانيا أو على الأقل بدوائر النفوذ الروسي، وبتدخله في هذه الجمهورية السابقة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي والمكونة من 46 مليون نسمة فإن بوتين يكون بذلك قد جر الغرب إلى مواجهة لم يسبق لها مثيل معه منذ اندلاع الحرب الباردة. 


تصلب روسي


من المعلوم أن تصرف بوتين قد تصلب منذ أشهر عديدة تجاه الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي وخاصة أوكرانيا، وزادت روسيا من ضغوطها السياسية والاقتصادية والعسكرية على هذا البلد الذي تراهن على أن يبقى في صفها وتعتبره مهد الحضارة الروسية.

فعلى الصعيد السياسي زادت روسيا من دعمها للأقليات الروسية المتواجدة بالبلد وعلى المستوى الاقتصادي صعدت من الضرائب والجبايات الجمركية على الحدود مع أوكرانيا، أما على المستوى العسكري فقد قامت بمراقبة المنشآت في كريمي، وبين كل ذلك عزمها على التمسك بهذا الحليف مهما كلف ذلك.

ويعتبر المحللون في الدوائر الغربية أنه كان بالإمكان صد الأطماع الروسية في أوكرانيا فيما لو تم فتح أبواب الاتحاد الأوروبي واسعة أمام أوكرانيا وكذلك تقديم المساعدات المالية لها للحد من التبعية الضاغطة لروسيا.


سفن "ميسترال" الحربية الفرنسية إلى روسيا


تواجه فرنسا ضغوط من حلفائها في أوروبا الشرقية ومن الولايات المتحدة الأمريكية بعدم تسليم سفن حربية كانت قد اشترتها روسيا منها في نطاق صفقة قيمتها 1،2 مليار أورو في شهر يونيو 2011 إلا أن فرنسا تمسكت بتسليم هذه السفن نظرا لأن قمة الاتحاد الأوروبي لم تنص على فرض حصار على الأسلحة إلى روسيا. وللإشارة فإن أسطول بحري مكون من بارجتين حربيتين "ميسترال" مع سفن استطلاع وتحكم قد اشترتهم روسيا من فرنسا، وتم بناء هذا الأسطول في قاعدة سان نازير Saint-Nazaire الفرنسية وستسلم البارجة الأولى قريبا وهي تجرى منذ ثلاثة أيام دوريات تجريبية في المحيط الأطلسي على أن تأخذ طريقها في الأيام القادمة لتلتحق بالأسطول البحري الروسي في البحر الأسود في حين ستقدم الثانية في العام 2015.

وتعتبر هذه أول مرة يقوم فيها بلد عضو في منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي OTAN ببيع معدات حربية حساسة إلى روسيا التي تعتبر أن هذا الحلف عدو.

إن السفينة الحربية "ميسترال" هي عبارة عن سفينة متعددة المهام وقادرة على حمل 15 طائرة هيليكوبتر و60 سيارة مدرعة و10 دبابات أو مركبات بر مائية، وتستخدم بفعالية في عمليات الإنزال كما أنها قادرة على حمل 700 مقاتل وغرفة قيادة ومستشفي، وهي بشكل عام ذات طابع استراتيجي من درجة عالية وتتوق لاقتنائها الكثير من الجيوش.

وقد قال قائد البحرية الروسية أثناء مفاوضات شراء هذه السفن إن قواته كانت قادرة فيما لو امتلكت هذه السفن على الانتصار في جورجيا دون أن يتطلب ذلك سوى 4 دقائق بدل 26 ساعة التي تطلبها ذلك.

وأجاب الرئيس نيكولا ساركوزي على الانتقادات التي وجهت له آنذاك بسبب بيع هذه البارجات إلى روسيا قائلا: "إن الحرب الباردة قد انتهت...ويجب علينا النظر إلى روسيا كبلد صديق والتفكير مع الروس من أجل بناء فضاء شاسع من الأمن والازدهار لصالح الجميع"
وإذا كان غزو روسيا لأوكرانيا قد خيب الآمال الفرنسية إلا أنه لم يصل إلى حد إلغاء عقود تزويدها بهذه السفن "إننا نحترم العقود الموقعة ولم نصل إلى درجة إلغائها ونأمل أن نتجنب ذلك" يقول الرئيس فرانسوا هولاند يوم أمس من بروكسيل. 

إلا أننا نستطيع القول أخيرا بأن "الأزمات لا تلغي الأعمال" وهذه السفن ستقدم إلى روسيا وإلى حين تجهيزها وتسليحها من البحرية الروسية ستكون أحداث أوكرانيا دون شك قد أصبحت بعيدة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق